٩‏/٥‏/٢٠١٣

الطريق إلى القاهرة يبدأ من دمشق...!!

يكتب محمود فرحات
باحث في التاريخ والحضارة المصرية
عضو جمعية الاثار

الطريق الى القاهرة يبدأ دائما من دمشق..!!

سوريا مصر ..!! مصر سوريا..!!
لا ضير بأيهما ابدأ فكلاهما يؤدي لنفس الطريق، فسوريا ومصر جاءا الى الوجود متلازمان ومصيرهما واحد..!!
يخبرنا التاريخ بسر حول العلاقة بين سوريا ومصر وهو (أنه لا يمكن ان يكون احدهما آمن في ظل خطر يتهدد الاخر) فسوريا هى بوابة مصر ومفتاح أمنها هكذا..
حقاً.. دمشق هى بوابة الطريق الى القاهرة  هذه المقولة يعرف قدرها اعدائنا جيدا ولا ندرك نحن وزنها ابداً..!!

فمنذ بواكير التاريخ المصري القديم نشأت العلاقات المصرية السورية حتى ولو كانت علاقات تجارية
وبتتبع التاريخ المصري القديم نجد الآف الرحلات التجارية بين مصر والموانئ السورية على البحر المتوسط فقد كانت المدن السورية في معظم فترات التاريخ القديم تدين بالولاء لمصر

ومع التاريخ نسير فنجد ان اول محنه حقيقة لمصر كانت بدايتها من سوريا من دمشق البوابة الشمالية..حيث الغزاة الهكسوس الذين نزحوا الى سوريا مهاجرين من بقاع شتى ليتجمعوا في دمشق ومنها كان الغزو الذي اصاب مصر باحتلال ظل لقرون طوال
وبعد طرد الهكسوس من مصر تغيرت نظرة المصريين لسوريا من مجرد التجارة الى اخضاع هذه المدن وضمان ولائها وهذا هو سبب حروب مجدية في تاريخ مصر القديمة مثل معركة مجدو ومعركة قادش وغيرها حيث ايقن ملوك مصر ان أمن مملكتهم يبدأ من دمشق..!!

وعبر سوريا جاء الغزو الاشوري لمصر والغزو الفارسي وكذلك عبر اراضيها مر الغزو الاغريقي على يد البطل المقدوني الاسكندر الاكبر ليثبت صحة هذه المقولة انه (حينما تسقط سوريا فبالضرورة سقوط مصر) وهذا ما اثبتته الحوادث التالية على الاسكندر من غزو الرومان لمصر حتى غزو العرب لمصر حيث كان الهدف دائماً السيطرة على سوريا اولا واخضاع دمشق ثم الانطلاق لاصطياد مصر.

في ظل صراع شاور وضرغام على الوزارة في مصر في عصر السلطان الفاطمي الضعيف الفائز بنصر الله فقد كانت دمشق على موعد لتقوم بدورها التاريخي لانقاذ مصر حيث دخل جيش الشام الذي ارسله نور الدين محمود بقيادة اسد الدين شيركوه وصلاح الدين الايوبي لانقاذ القاهرة من غزو الصلبيين الذي بدا على اعتاب القاهرة
 وحينما خلا عرش مصر بعد قتل شجرة الدر كانت مصر على موعد ايضا على منحة من السماء لانقاذها من غزو التتار بأن ثبت الله رجالها بعالم دمشق الجليل العز بن عبدالسلام.



حتى في فترات عدم الاستقرار السياسي للدولة الأيوبية وضعفها – على سبيل المثال - والنزاعات الداخلية والحروب الأهلية في داخل البيت الأيوبي لتوسيع النفوذ والسلطة، كان التوجه السياسي هو حماية مصر من الأخطار الخارجية والنفوذ الأجنبي.. حيث إن الصلبيين ركزوا جهودهم ومحاولاتهم للسيطرة على مصر منذ حملتهم الخامسة مقارنة بحملاتهم الأربع الأولى التي كانت موجهة إلى الشام. حيث ايقن الصلبيون اهمية السيطرة على القاهرة لاخضاع بلاد الشام وتأمين وجودهم

وفي مسيرة الزمن نطالع العديد من الدلائل على الاهمية التبادلية بين القاهرة ودمشق فالعثمانين لم يغزو مصر الا بعد اخضاع سوريا في معركة مرج دابق والتي قتل فيها ملك مصر قنصوة الغوري ثم مع مشروع علي بك الكبير لبناء مصر المستقلة كانت احد اهم مشروعاته لتعضيد مملكة الناشئة هو ضم دمشق واستقرارها في ظل عرش مصر..مع الغزو الفرنسي لمصر وقبل ان تهدأ الامور في مصر قرر نابليون غزو سوريا واخضاع مدنها لعلمة بأهمية هذه الخطوة في قتل المقاومة التي يجدها في مصر ولكنه فشل فعجل ذلك بهزيمة الغزو الفرنسي لمصر حتى ان اهم قواده وخليفته في حكم مصر الجنرال كليبر قتل على يد الشاب السوري البطل سليمان الحلبي

عندما وصل محمد على الى حكم مصر ايقن اهمية دمشق فكانت حملاته لضم بلاد الشام ودمشق بالاخص..ومن العجيب ان الذي دق اخر مسمار في نعش احلام محمد علي كان تمرد السوريين على الحكم المصري وتأيدهم للجيش العثماني مما ساعد في انهيار امبراطورية محمد علي التي كان يطمح في انشائها

وبعد ثورة يوليو 1952 في مصر واستقلال سوريا نجد التكامل يزداد بين التوأم مصر وسوريا حيث بلغ اشده حينما اقدمت فرنسا وبريطاني واسرائيل على العدوان على مصر لنجد صوت دمشق ينادي هنا القاهرة من دمشق وتقوم مجموعات من السوريين بتفجير خطوط النفط العراقي التي تمر عبر الاراضي السورية  حتى لا يصل الى العدو البريطاني الفرنسي فقد ضحت سوريا بالمال من اجل سلامة مصر والذي هو بالضروة أمن لسوريا واراضيها
كما قام البطل السوري جول جمال بتفجير زورقة البحري في البارجة الحربية الفرنسية (جاندارك) اما سواحل البرلس شمال مصر وهى السفينة التي ساندت في تدمير مدينة بورسعيد معيدا بذلك سيرة جده البطل السوري سليمان الحلبي

في عام 1958 توج المصير المشترك بين البلدين بوحده ايقن اعدائها انها ستؤدي حتما الى ضرب مصالح اسرائيل والدول الغربية كما انها تعيد للاذهان مشرع علي بك الكبر ومحمد علي باشا فكان التآمر عليها حتى ينفصل الشقيقتين لكن مصيرهم يظل يحتم عليهم حفاظ كلا منهم علىأمن الاخر لضمان سلامته واستقراره

في عام 1967 تعرضت مصر وسوريا لضربة دمرت معظم قواتهم المسلحة ولأن مصيرهما واحد كان القرار بمواصلة الكفاح فكانت الملحمة في اكتوبر 1973 حيث كان للجبهة السورية دورها البارز في تخفيف العبء على الجبهه المصرية كما ان الهجوم المشترك اصاب اسرائيل بالخوف والفزع والارتباك

فمصر وسوريا تشكلان قوة  حينما يحيا الإرتباط الوثيق الذي كان يجمع بينهما فما يقع في مصر حتما سيلقي بظلاله على المشهد السوري وبالتأكيد العكس صحيح فالطريق الى القاهرة يبدأ من دمشق ندعو الله ان يفرج عن سوريا كربتها وان ينصر جيشها الأبي الشجاع على اعداء الوطن وان تظل دمشق منارة للصمود ورمزا للكرامة