هويتنا المصرية ج1
د.عماد جاد
منشور بجريدة التحرير بتاريخ 12/9/2012
كل عام وكل المصريين بخير وسلام وأمن، أمس كان بداية السنة المصرية
الجديدة، أمس كان الأول من توت سنة 6354 حسب التقويم المصرى القديم، تقويم وضعه
أجدادنا الفراعنة الذين أبدعوا فى مجالات شتى إلى الدرجة التى عجز العلم الحديث عن
فك شفرة بعض الإبداعات المصرية القديمة. عندما نهنئ المصريين جميعا ببداية السنة
المصرية القديمة، فإننا ندعو فى الوقت نفسه إلى أن يتصالح المصريون مع أنفسهم
وتاريخهم، بعد أن جرى تشويه متعمد لهذا التاريخ ودفعوا قطاعات من المصريين إلى
الخجل من جوانب معينة فى تاريخنا.
لفترة طويلة من الوقت كان الحديث عن
«الهوية المصرية» حديثا غير مرحب به فى أوساط عديدة فى مصر، وذلك بفعل حملة
القوميين والإسلاميين على الهوية المصرية، فقد عملوا طوال الوقت على إزاحة الهوية
المصرية إلى خلفية المشهد لحساب الهوية التى يدافعون عنها ويتبنون رؤيتها. فأصحاب
الرؤية القومية يتمسكون بفكرة القومية العربية، ويرون فى أى حديث عن «القومية
المصرية» أو الهوية المصرية تحديا كبيرا لفكرة القومية العربية، بل هروب من «قدر
مصر» باعتبارها أكبر دولة عربية، قدرها أن تقود الدول العربية الأخرى على طريق
التوحد.
أما أصحاب الرؤية الإسلامية فبالطبع
يرون فى الهوية المصرية العدو الأول لمشروعهم الأممى، ذلك المشروع الذى ينهض على
فكرة الأمة القائمة على أساس الرابطة الدينية، والذى يرى فى المشارك فى العقيدة،
مهما حمل من جنسية، أقرب إلى المسلم المصرى من شريك الوطن الذى يدين بديانة غير
الإسلام، ولذلك جاءت كلمات المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، مهدى عاكف،
واضحة وقوية ولا تحتاج إلى تفسير عندما تهكم على الهوية المصرية وأطلق كلماته
الشهيرة «طظ فى مصر وأبو مصر»، مضيفا إليها الشق التالى وهو أنه يرحب بأن يرأس
ماليزى أو باكستانى مصر، فالقضية بالنسبة إليه أممية قائمة على الرابطة الدينية.
وعمل التياران القومى والإسلامى على
الإساءة إلى الهوية المصرية، وتعاونا فى البحث عن غطاء دينى لهذه الإساءة فكان
الحديث عن «فرعون» وقدموا صورة مشوهة للتاريخ الفرعونى، أسقطوا إنجازات الحضارة
المصرية فى كل الميادين والمجالات، وركزوا على «كفر» الفرعون. وهناك من جعل قضية
الإيمان محور الحديث، وحاكموا قدماء المصريين أول من روج لفكرة التوحيد، باعتبارهم
«كفارا ووثنيين» وذلك فى وقت لم تكن فيه سوى الديانة اليهودية وهى ديانة مغلقة
قائمة على رابطة الدم، لم يقرؤوا ما سطره علماء «المصريات» من غير المصريين عن
حضارة وأخلاق المصريين، ولم يفتحوا كتاب «فجر الضمير» ويقرؤوا ما كتب «جيمس هنرى
برستد» عن الطبيعة والمجتمع الإنسانى، لم يتوقفوا أمام عدد وطبيعة الأسئلة التى
توجه إلى روح المصرى والذى عليه أن يجيب عن ثمانين سؤالا، نصفها بنعم والآخر بلا
كى يدخل الجنة، ومن بين الأسئلة التى عليه أن يجيب عنها بالنفى القاطع «هل تسببت
يوما ما فى إيذاء نبات بأن نسيت أن ترويه؟»، وهل لوثت مياه النيل، وغيرها من
الأسئلة التفصيلية التى تنم عن أمة عريقة وحضارة تسبق بأخلاقها حضارات أمم كثيرة
تعيش فى عالمنا المعاصر.
لقد عمل التياران القومى والإسلامى
على تشويه التاريخ المصرى، وبذلوا كل جهد من أجل إشعار المصرى العادى بالخجل من
تاريخه وبالتحديد من أجداده إلى الدرجة التى جعلت البعض يشعر بالفخر من الانتماء
إلى أصول غير مصرية، وقد تجلى ذلك فى مناهج التعليم وفى رسائل وسائل الإعلام،
وباتت الجذور المصرية التى تفخر كبرى جامعات الدول المتقدمة بتخصص «كورس» دراسى
حولها، سيئة السمعة فى مصر.
وقد تعرض رموز مصر الذين حاولوا
إعادة الاعتبار إلى الهوية المصرية، إلى حملات إعلامية عاتية، اتهمتهم بالتغريب،
والولاء للخارج، والبعض اتهمهم بالعداء للقومية والإسلام، حدث ذلك مع آباء الحركة
الليبرالية المصرية فى أوائل القرن العشرين، وتكرر المشهد فى أواخر سبعينيات القرن
ذاته عندما ظهرت كتابات على يد توفيق الحكيم ولويس عوض تدعو إلى «حياد» مصر تجاه
الصراعات فى المنطقة، وما تبعها من جدل حول هوية مصر مرة أخرى، هل هى هوية
فرعونية، تنتمى إلى الحضارة المتوسطية التى تجمعها مع اليونان وفرنسا وإيطاليا
وإسبانيا، أم هى دولة عربية مكانها الطبيعى مع ليبيا والجزائر والعراق والخليج
العربى؟