بقلم: اقبــال بركة
اول شهيدة مصرية فى العصر الحديث
لايمكن أن يتحرر شعب بينما نصفه مغلول الي المطبخ, عبارة أطلقها المفكر الألماني كارل ماركس الذي صدر المجلد الرابع من كتابه الخطير رأس المال خلال سنوات1904 ـ1910.
انفجر كفاح الشعب المصري المرير لمقاومة وإنهاء الاحتلال البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي, وطوال المرحلة الأولي من النضال الشعبي لإنهاء الاحتلال لم تتوان المرأة المصرية عن بذل الروح والدم في سبيل وطنها الحبيب مصر. وقد تزامنت معركة تحرير مصر لترابها المقدس مع معركة انطلاق ابنتها المصرية من أسر الرق والحريم والجاهلية العثمانية, حتي بدا كأن إحداهما لن تنتصر دون الأخري....كانت تلك هي الحلقة الثالثة في نضال المرأة المصرية لكسر أغلالها والدفاع عن حرية وكرامة بلدها في آن واحد. وبدأت الحلقة الأولي في بداية القرن التاسع عشر, بالدور الذي لعبته النساء الحرافيش في ثورات القاهرة أثناء الغزو الفرنسي لمصر, وخلده المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي, ثم جاءت الحلقة الثانية بعد ذلك بأقل من قرن, في أثناء ثورة البطل المصري احمد عربي عندما وقفت النساء المصريات من الطبقة الحاكمة معه, وناصرنه, وعارضن الخديوي توفيق في السر والعلن....ثم جاءت الذروة في أثناء ثورة1919, وعن شجاعة واستبسال المرأة المصرية تحكي هدي شعراوي في مذكراتها الكثير من الأحداث المثيرة.
تذكر هدي شعراوي في مذكراتها أن صفية هانم زغلول حرم سعد باشا, والتي سيمنحها الشعب لقب أم المصريين وقفت موقفا رائعا ينم عن شجاعة المرأة المصرية ورفضها الخضوع للقهر وتحديها للسلطة الغاشمة, ففي يوم اعتقال زوجها ورفاقه أرسلت صفية زغلول الي علي شعراوي, وكيل الوفد, تبلغه ان مكتب سعد في بيته مفتوح له ولزملائه في غيابه, كما كان في حضوره, وترجوه أن يقبلوا دعوتها علي العشاء في ذلك المساء, وأن يعقدوا جلستهم الأولي في مكان انعقادها المألوف, كي لايطرأ علي سير الدعوة أدني تغيير بعد حادث الاعتقال الذي أريد به القضاء عليها. وقد قرر الأعضاء أن يلبوا دعوتها ويشكروها ويعقدوا اجتماعاتهم في بيت الأمة, وأن يعتذروا عن العشاء.
وتقول هدي هانم إن زوجها نصحها بالاتصال بحرم سعد باشا وحرم محمد محمود باشا وبعائلات أعضاء الوفد في أثناء نفي سعد باشا ورفاقه, وعندما شعر بأن الانجليز قد ينفونه هو الآخر أو يعدمونه ترك زملاءه المجتمعين في الدور الأول والمنزل وصعد اليها في الطابق الثاني ليقول لها: ربما تعتقلنا السلطة, فاذا حدث ذلك, فأرجو أن تسلمي هذا المبلغ لحرم سعد باشا, فربما تحتاج اليه في غيبتي, أي أعطاها اشارة البدء في المشاركة الفعلية في النضال, فكانت هي وصاحباتها يخرجن في أثناء الثورة لزيارة أهل المصابين برصاص الانجليز ويواسونهم ويزرن الجرحي ويمددن يد العون للفقراء والمعوزين, من ضحايا البطش الانجليزي وانتهاكهم حرمات البيوت واعتدائهم علي الأرواح والأعراض والممتلكات خصوصا في الضواحي....وفي مظاهرة سلمية ضمت جميع الهيئات المصرية الرسمية من جيش وقضاة ومحامين وموظفين ومن علماء الأزهر وطلابه وعمال ورجال الدين من جميع الأديان, لم يفت النساء المصريات( من كل الطبقات) المشاركة فيها, البعض داخل سياراتهن أو عرباتهن, وأخريات علي عربات الكارو وكن جميعهن يحملن العلم المصري في أيديهن ويلوحن به في جرأة متحدين جنود جيش الاحتلال... وقد أثار مشهد النساء المصريات جنود الاحتلال الي أبعد مدي, ولعله أشعل في قلوبهم مشاعر الخوف الي جانب الغضب من هذه المخلوقة التي لم يتعرفوا عليها ولم يألفوا وجودها حولهم, حتي ظنوها غير موجودة. ولاشك ان الحجاب العثمانلي والمشربيات والحراسة المدججة علي الحريم كانت تثير خيالهم, وتجعلهم يتصورون أنواع المتع الحسية والملذات الجسدية التي تتفرغ النساء الشرقيات لتقديمها لسيدها الرجل وتجعل منها هدفا وحيدا لوجودها. لذلك أصيبوا بالذعر عندما ظهرت المرأة المصرية فجأة, بعد أن مزقت الشرنقة التي فرضها عليها محتل سابق, وغادرت عرينها وأبدت شجاعة تصل الي حد الاشتباك بالأيدي مع جنود الاحتلال.
تقول هدي شعراوي: كانت المرحومة ألفت هانم راتب تمسك بيدها علما مصريا صغيرا يرفرف من نافذة سيارتها, وعند مرور المظاهرة أمام فندق الكونتننتال انقض أحد الجنود الانجليز علي سيارتها, وحاول انتزاع العلم من يدها, ولكنها تشبثت به ولم تمكنه من انتزاعه, ولما كان ذلك علي مشهد من الاجانب, فقد صفقوا اعجابا بها, فثار الجندي ثورة حمقاء وأخذ يجذب العلم منها ويضربها بيده الأخري علي ذراعها ضربات قاسية ليرغمها علي التسليم, ورغم ذلك لم يتمكن من قهرها, وعندما صار أضحوكة المتفرجين أقبل بعض زملائه وأخذوا يطعنون سيارتها.. وأسفرت المعركة بين جنود بريطانيا المسلحين وبين سيدة مصرية عزلاء عن احتفاظها بعلم بلادها....وقد ذكرت هدي شعراوي في مذكراتها أن العديد من النساء اللاتي أرغمتهن الظروف علي عدم ترك بيوتهن كن يتجمعن في شرفات البيوت ويهتفن ويصفقن للمتظاهرين, وكثيرا ماكان جنود الانجليز يوجهون رصاصاتهم الي هؤلاء النسوة, فكانوا يجرحون البعض ويقتلون البعض الآخر.. وكما سقط الألوف من الأطفال والشبان والشيوخ شهداء في سبيل وطنهم, ذكرت أسماء النساء المصريات الباسلات اللاتي سقطن شهيدات فداء مصر برصاص الانجليز ومن بينهن:
السيدة شفيقة بنت محمد والسيدة عائشة بنت عمر, والسيدة فهيمة رياض, والسيدة حميدة بنت خليل, والسيدة نجية اسماعيل....كانت شفيقة محمد أول شهيدة مصرية, وقد أحدث خبر استشهادها موجة من الحزن والسخط
وخرجت كل طبقات الأمة تشارك في تشييع جثمانها ولم تحترم سلطات الاحتلال المشاعر الوطنية الجياشة فوجهوا مدافعهم صوب المشيعين وكادت تحدث مجزرة...ولم تؤثر تلك الحادثة وغيرها علي المرأة المناضلة, فقد قامت النساء المصريات بدور كبير في أثناء اضراب الموظفين وكن يشجعن أزواجهن وأبناءهن علي عدم الذهاب لأعمالهم, وقامت الكثيرات بالوقوف علي أبواب الدواوين لمنع المتخاذلين من الدخول الي مكاتبهم, وكن ينتزعن أساورهن وحليهن, ويقدمنها لهم قائلات: اذا كان أحدكم في احتياج لمرتبه فليأخذ هذه الحلي, ولا تسودوا وجوهنا بالرجوع الي اعمالكم بعد صدور الانذار البريطاني....وعندما ارسلت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد ملنر وزير المستعمرات لبحث وسائل ضم مصر الي بريطانيا, أعلنت نساء مصر رفضهن النهائي للتفاوض مع هذه اللجنة, ومقاطعتها.
وفي20 يناير1922, بينما سعد زغلول منفي بجزيرة سيشيل, اجتمعت السيدات المصريات في جلسة فوق العادة وقررن اعلان المقاطعة العامة لكل ماهو انجليزي من بضائع وأشخاص سواء كانوا تجارا أو موظفين أو أطباء أو صيادلة... وقد استجابت كل قوي الشعب لنداء النساء المصريات وكانت لتلك المقاطعة آثارها الوخيمة علي الدولة العظمي, وفي نفس الوقت بدأت الدعوة الي التعامل مع الصناعات الوطنية وتشجيعها
لايمكن أن يتحرر شعب بينما نصفه مغلول الي المطبخ, عبارة أطلقها المفكر الألماني كارل ماركس الذي صدر المجلد الرابع من كتابه الخطير رأس المال خلال سنوات1904 ـ1910.
انفجر كفاح الشعب المصري المرير لمقاومة وإنهاء الاحتلال البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي, وطوال المرحلة الأولي من النضال الشعبي لإنهاء الاحتلال لم تتوان المرأة المصرية عن بذل الروح والدم في سبيل وطنها الحبيب مصر. وقد تزامنت معركة تحرير مصر لترابها المقدس مع معركة انطلاق ابنتها المصرية من أسر الرق والحريم والجاهلية العثمانية, حتي بدا كأن إحداهما لن تنتصر دون الأخري....كانت تلك هي الحلقة الثالثة في نضال المرأة المصرية لكسر أغلالها والدفاع عن حرية وكرامة بلدها في آن واحد. وبدأت الحلقة الأولي في بداية القرن التاسع عشر, بالدور الذي لعبته النساء الحرافيش في ثورات القاهرة أثناء الغزو الفرنسي لمصر, وخلده المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي, ثم جاءت الحلقة الثانية بعد ذلك بأقل من قرن, في أثناء ثورة البطل المصري احمد عربي عندما وقفت النساء المصريات من الطبقة الحاكمة معه, وناصرنه, وعارضن الخديوي توفيق في السر والعلن....ثم جاءت الذروة في أثناء ثورة1919, وعن شجاعة واستبسال المرأة المصرية تحكي هدي شعراوي في مذكراتها الكثير من الأحداث المثيرة.
تذكر هدي شعراوي في مذكراتها أن صفية هانم زغلول حرم سعد باشا, والتي سيمنحها الشعب لقب أم المصريين وقفت موقفا رائعا ينم عن شجاعة المرأة المصرية ورفضها الخضوع للقهر وتحديها للسلطة الغاشمة, ففي يوم اعتقال زوجها ورفاقه أرسلت صفية زغلول الي علي شعراوي, وكيل الوفد, تبلغه ان مكتب سعد في بيته مفتوح له ولزملائه في غيابه, كما كان في حضوره, وترجوه أن يقبلوا دعوتها علي العشاء في ذلك المساء, وأن يعقدوا جلستهم الأولي في مكان انعقادها المألوف, كي لايطرأ علي سير الدعوة أدني تغيير بعد حادث الاعتقال الذي أريد به القضاء عليها. وقد قرر الأعضاء أن يلبوا دعوتها ويشكروها ويعقدوا اجتماعاتهم في بيت الأمة, وأن يعتذروا عن العشاء.
وتقول هدي هانم إن زوجها نصحها بالاتصال بحرم سعد باشا وحرم محمد محمود باشا وبعائلات أعضاء الوفد في أثناء نفي سعد باشا ورفاقه, وعندما شعر بأن الانجليز قد ينفونه هو الآخر أو يعدمونه ترك زملاءه المجتمعين في الدور الأول والمنزل وصعد اليها في الطابق الثاني ليقول لها: ربما تعتقلنا السلطة, فاذا حدث ذلك, فأرجو أن تسلمي هذا المبلغ لحرم سعد باشا, فربما تحتاج اليه في غيبتي, أي أعطاها اشارة البدء في المشاركة الفعلية في النضال, فكانت هي وصاحباتها يخرجن في أثناء الثورة لزيارة أهل المصابين برصاص الانجليز ويواسونهم ويزرن الجرحي ويمددن يد العون للفقراء والمعوزين, من ضحايا البطش الانجليزي وانتهاكهم حرمات البيوت واعتدائهم علي الأرواح والأعراض والممتلكات خصوصا في الضواحي....وفي مظاهرة سلمية ضمت جميع الهيئات المصرية الرسمية من جيش وقضاة ومحامين وموظفين ومن علماء الأزهر وطلابه وعمال ورجال الدين من جميع الأديان, لم يفت النساء المصريات( من كل الطبقات) المشاركة فيها, البعض داخل سياراتهن أو عرباتهن, وأخريات علي عربات الكارو وكن جميعهن يحملن العلم المصري في أيديهن ويلوحن به في جرأة متحدين جنود جيش الاحتلال... وقد أثار مشهد النساء المصريات جنود الاحتلال الي أبعد مدي, ولعله أشعل في قلوبهم مشاعر الخوف الي جانب الغضب من هذه المخلوقة التي لم يتعرفوا عليها ولم يألفوا وجودها حولهم, حتي ظنوها غير موجودة. ولاشك ان الحجاب العثمانلي والمشربيات والحراسة المدججة علي الحريم كانت تثير خيالهم, وتجعلهم يتصورون أنواع المتع الحسية والملذات الجسدية التي تتفرغ النساء الشرقيات لتقديمها لسيدها الرجل وتجعل منها هدفا وحيدا لوجودها. لذلك أصيبوا بالذعر عندما ظهرت المرأة المصرية فجأة, بعد أن مزقت الشرنقة التي فرضها عليها محتل سابق, وغادرت عرينها وأبدت شجاعة تصل الي حد الاشتباك بالأيدي مع جنود الاحتلال.
تقول هدي شعراوي: كانت المرحومة ألفت هانم راتب تمسك بيدها علما مصريا صغيرا يرفرف من نافذة سيارتها, وعند مرور المظاهرة أمام فندق الكونتننتال انقض أحد الجنود الانجليز علي سيارتها, وحاول انتزاع العلم من يدها, ولكنها تشبثت به ولم تمكنه من انتزاعه, ولما كان ذلك علي مشهد من الاجانب, فقد صفقوا اعجابا بها, فثار الجندي ثورة حمقاء وأخذ يجذب العلم منها ويضربها بيده الأخري علي ذراعها ضربات قاسية ليرغمها علي التسليم, ورغم ذلك لم يتمكن من قهرها, وعندما صار أضحوكة المتفرجين أقبل بعض زملائه وأخذوا يطعنون سيارتها.. وأسفرت المعركة بين جنود بريطانيا المسلحين وبين سيدة مصرية عزلاء عن احتفاظها بعلم بلادها....وقد ذكرت هدي شعراوي في مذكراتها أن العديد من النساء اللاتي أرغمتهن الظروف علي عدم ترك بيوتهن كن يتجمعن في شرفات البيوت ويهتفن ويصفقن للمتظاهرين, وكثيرا ماكان جنود الانجليز يوجهون رصاصاتهم الي هؤلاء النسوة, فكانوا يجرحون البعض ويقتلون البعض الآخر.. وكما سقط الألوف من الأطفال والشبان والشيوخ شهداء في سبيل وطنهم, ذكرت أسماء النساء المصريات الباسلات اللاتي سقطن شهيدات فداء مصر برصاص الانجليز ومن بينهن:
السيدة شفيقة بنت محمد والسيدة عائشة بنت عمر, والسيدة فهيمة رياض, والسيدة حميدة بنت خليل, والسيدة نجية اسماعيل....كانت شفيقة محمد أول شهيدة مصرية, وقد أحدث خبر استشهادها موجة من الحزن والسخط
وخرجت كل طبقات الأمة تشارك في تشييع جثمانها ولم تحترم سلطات الاحتلال المشاعر الوطنية الجياشة فوجهوا مدافعهم صوب المشيعين وكادت تحدث مجزرة...ولم تؤثر تلك الحادثة وغيرها علي المرأة المناضلة, فقد قامت النساء المصريات بدور كبير في أثناء اضراب الموظفين وكن يشجعن أزواجهن وأبناءهن علي عدم الذهاب لأعمالهم, وقامت الكثيرات بالوقوف علي أبواب الدواوين لمنع المتخاذلين من الدخول الي مكاتبهم, وكن ينتزعن أساورهن وحليهن, ويقدمنها لهم قائلات: اذا كان أحدكم في احتياج لمرتبه فليأخذ هذه الحلي, ولا تسودوا وجوهنا بالرجوع الي اعمالكم بعد صدور الانذار البريطاني....وعندما ارسلت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد ملنر وزير المستعمرات لبحث وسائل ضم مصر الي بريطانيا, أعلنت نساء مصر رفضهن النهائي للتفاوض مع هذه اللجنة, ومقاطعتها.
وفي20 يناير1922, بينما سعد زغلول منفي بجزيرة سيشيل, اجتمعت السيدات المصريات في جلسة فوق العادة وقررن اعلان المقاطعة العامة لكل ماهو انجليزي من بضائع وأشخاص سواء كانوا تجارا أو موظفين أو أطباء أو صيادلة... وقد استجابت كل قوي الشعب لنداء النساء المصريات وكانت لتلك المقاطعة آثارها الوخيمة علي الدولة العظمي, وفي نفس الوقت بدأت الدعوة الي التعامل مع الصناعات الوطنية وتشجيعها