بما أن الحمار أصبح
حالياً هو حديث المجتمع
المصري ومجلس شعبه ومحور الاهتمام في الإذاعة والتلفزيون وظهر له في مصر من
المدافعين الكثيرين فصار سبباً للمطالبة بإسقاط الحصانة عن احد نواب المجلس الموقر
وليس فقط وإنما المطالبة بمحاكمته لأنه جاب سيره سعادة الحمار المبجل في تصريحاته.
وتجاوباً مع هذه الأحداث
التي نطالعها ليل نهار وانفعالاً بها فقد قررت ان ابحث في سيره مولانا الحمار أدام
الله ظلة وحماة من كل سوء وقررت أن اكتب لكم هذه النبذة عن ذلك الكائن الوديع ذو
اللون الأبيض والأذنين الطويلتين والذي كان له دور كبير في حياة البشر في الماضي
وأصبح في الحاضر سُبه رغم ما له من أفضال وأيادي بيضاء على الإنسانية جمعاء.
فالحمار
حيوان مستأنس من فصيلة الحصان وهو يعيش بصورة
برية في صحاري آسيا وأفريقيا وبراريها،
والحمار بشكله العام مثل الحصان ولكنه أصغر حجما
وهو أقرب إلى الـبغل وله رأس كبير وذيل
قصير ينتهي بخصلة شعر وحوافره صغيرة وأذناه طويلتان، و تسمى أنثى الحمار أتان وابنه جحش.
·
الحمار في التاريخ:
يعتبر الحمار من
أقدم الحيوانات التي عرفها الإنسان واستئناسها واستخدمها في النقل والزراعة والسفر
حيث عرف الحمار لأول مرة قبل حوالي ما يقرب من 12 ألف سنه في منطقة القرن الإفريقي
(الصومال حالياً) حيث عرف الحمار كحيوان مستأنس قبل الحصان بحوالي 2000 سنة، ويعد
الحمار الصومالي من أقدم أنواع الحمير في العالم وذلك ما أثبتته الدراسات العلمية
الحديثة حسب كتاب التاريخ الطبيعي للحيوانات الأليفة للعالم كلوتون بروك الصادر في
عام 1999، عُرف الحمار في مصر القديمة منذ ما يقرب من 4000 سنه وقام الإنسان
المصري باستخدامه في النقل والأعمال اليومية الزراعية حيث أصبح أهم أداة للنقل في
مصر القديمة حيث يستطيع ان يحمل من 20 إلى 30% من وزنه ..وقد عُرف الحمار في منطقة
الشرق الأوسط في حوالي عام 1800 ق.م، وقد سميت مدينة دمشق بمدينة الحمير في النصوص
القديمة نظراً لنشاطها التجاري الواسع..وقد قدس الإغريق ومن بعدهم الرومان الحمار
وجعلوه رمز للإله ديونيسيوس رب الخمر والعربدة والمساخر "والعياذ بالله"
·
مناقب الحمار وصفاته:
يتميز الحمار
بعناده الشديد حيث أنها أشهر صفاته ولا يمكن إجباره على فعل شئ خارج إرادته، كما
يتميز بالصبر وقوة التحمل وهو رمز للمظلوم المقهور الذي يعمل دون كلل أو ملل وهو
نموذج للطاعة العمياء، ولقد أجريت عدد من الدراسات العلمية القليلة ظهر من خلالها
ان الحمار أكثر ذكاءاً من الحصان كما انه يتمتع بالحذر والحميمية وانه لعوب وقابل
للتعلم والتدريب.
·
الحمار في الأمثال:
تمثل الأمثال الشعبية
المخزون الشعبي لثقافة جماعة إنسانية ما، حيث يتناقل الناس الحكم والأمثال الشعبية
عبر الزمن كما لو كانت أشياء بديهية المعنى أو مسلمات يمكن الاستدلال بها في
المواقف المختلفة دون قصد المعنى الظاهر لكلمات المثل وإنما المقصود يكون المعنى
الخفي الذي يكون خلف الكلمات الظاهرة للمثل الشعبي.
ولقد برع المصريون
القدماء في الحكم والأمثال الشعبية حيث أنها كانت هي الممثل لقيم المجتمع المصري
في ظل عدم وجود كتاب سماوي وأحيانا كانت الحكم والامثال من وحي الإله.
ولقد نال الحمار كثير
من الاهتمام في الأمثال الشعبية حيث صيغت العديد من الأمثال الشعبية التي تتحدث عن
الحمار ومنها "اربط الحمار مطرح ما صحبه يحب" وكذلك "مقدرش على
الحمار اتشطر عالبردعة" وهناك المثل القائل"اربط الغزال ريح الحمار ان
متعلمش منه شهيقه يتعلم نهيقه" وكثيراً ما قيل لنا ونحن صغار "التكرار
بيعلم الحمار" و"إذا ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار"
و"الشاطرة تغزل برجل حمار" و"راح الحمار يطلب قرنين فرجع مصلوم الأذنين"
و"موت يا حمار ليجيلك العليق" و"السرج المدهب ما يخلي الحمار
حصان" و"عمر العدو ما صار حبيب إلا لما يصير الحمار طبيب" و"العلم
نور والجهل عار ولا يرضى بيه إلا الحمار" و"اللي ما يقدر على الحمارة
وعليقها يخلا من طريقها" و" اللي يعمل به القرد يعلق به الحمار"
و" قامت الحمارة وقعدت الشرارة" و"كتر النخس يعلم الحمار
الرفص" و"اذا سكت زي الجدار واذا نطق زي الحمار" و" اذا شبع
الحمار نهق" و"ماتت الحمارة واتقطعت الزيارة"
·
الحمار في الكتب السماوية:
ورد ذكر الحمار في الكتب السماوية ومن
ضمنها القران الكريم حيث ورد ذكره خمس مرات في القران الكريم سواء بلفظ حمار أو
حمير أو حُمر، ففي سورة البقرة الآية 259 "وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ
نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ
أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"..وفي سورة النحل الآية 80 "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا
تَعْلَمُون"..وفي سورة لقمان الآية 19 "وَاقْصِدْ
فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ
الْحَمِيرِ"..وسورة الجمعة الآية 5 " مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا
التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا "..وسورة المدثر الآية 50 "كَأَنَّهُمْ
حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَة"...وفي الرسومات المسيحية غالبا ما يصور المسيح راكبا
حماراً، أما في العهد القديم والتاريخ اليهودي فقد سمي ملك شيشم (نابلس حالياً)
والذي مات على يد أولاد يعقوب (حامور) كنوع من التقدير له ودلالة على أن الحمار أخذ نظرة ذات قيمة عالية
قديما.
·
الحمار في الفنون:
1- الحمار في الأدب
هناك روايات عديدة
تناولت الحمار، أهمها عربيا، حمار الحكيم لصاحبها توفيق الحكيم، يروي فيها صداقته له، مع أحاديثه التي يعتبرها
أسهل من كلامه مع البشر، وهناك حمار جحا الشهير.
في الأدب الصيني
قصة للحمار وتهور البشر، حيث يستعمل الملك حصانا في اجتياز الجبال، بدل من حمار
قدمه له مزارع فقير ونصحه بأن الحمار أفضل للقيام بهذا العمل لأنه يتأنى وأقل
هياجاً من الحصان، فيلق الملك حتفه بسبب الحصان وعجرفته، ويقول نادما ليتني أخذت
الحمار دليلا.
2- الحمار في الشعر
ومن روائع الشعر العربي ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي عن الحمار:
سقط الحمار من السفينة في الدجى..فبكى الرفاق
لفقده وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتت به..نحو السفينة موجة
تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالماً..لم ابتلعه لأنه لا
يهضم
·
فوائد الحمار الطبية
اكتشف خبراء صينيون
إمكانية الاستفادة من جلود الحمير المصرية في مجالات اقتصادية وطبية أيضا حيث
أثبتت الدراسات العلمية انه يمكن استخلاص عقاقير ومنشطات جنسية من جلود الحمير دون
أية آثار جانبية، ومؤخراً اُكتشف ان ألبان الحمير بها مضادات حيوية نادرة ولذلك
فهي تدخل في إنتاج الأدوية.
يوجد العديد من
الجمعيات التي تدافع عن حقوق الحمير في كثير من دول العالم..كما ان الحمار
وتقديراً لصبره وقوه تحمله وإصراره اتخذ رمزاً للحزب الديمقراطي الأمريكي، وفي
التقويم الفرنسي هناك يوم يعتبر هو يوم الحمار.
وفي حين ترفض
المجتمعات العربية وبخاصة في منطقة الخليج العربي تقبل فكرة تحديد يوم إجازة للخدم
والسائقين، قامت مدينة (بلاكبول الساحلية شمال غربي إنجلترا) بتطبيق قواعد صارمة
للحفاظ على الحمير إحداها ألا تتجاوز أيام عمل الحمار ستة أيام في الأسبوع ما بين
العاشرة صباحا وحتى السابعة مساء تتخللها ساعة راحة يومياً لتناول وجبة الغداء،
علاوة على إجراء اختبارات صحية إلزامية قبل بدء موسم الصيف، ومنذ عدة سنوات أثارت
سيدة أجنبية الجدل في مصر حينما ثارت عند رؤيتها لعربجي يضرب حمارا
مستخدما عصا حديدية، تأثرت جدا بهذا المشهد وأعلنت رحيلها النهائي عن مصر وعدم
الرجوع إليها بسبب الإساءة إلى الحمير وللحيوانات بصفة عامة في مصر، وقد تباينت
ردود الجماهير ووسائل الإعلام ما بين مستنكرا لما فعلته هذه السيدة وان ما حدث لا
يستحق رد الفعل هذا، ومنهم من حسد الحمار على وجود من اهتم بحقوقه وكان ذلك موضع
اهتمام وسخرية في العديد من وسائل الإعلام لفترة، ولقد
استعملت الحمير أيضا في الحروب لنقل المعدات أو للركوب، وقد خلّد استعمالها في
تمثال لـ(جون كيرك باتريك سيمسون) مع حماره الذي أنقذ به العديد في الحرب العالمية
الأولى، وحسب الكاتب البريطاني (ماثيو فورت) استعمل الإيطاليون الحمير لوقت قريب
في جيشهم خاصة عبر الجبال لما له من قدره فائقة على تخطيها.
هذا هو الحمار الذي
نَسب به بعضنا البعض تاريخه أعظم من تاريخ المئات منا...تحياتي