الجزء الثاني (من الفوضى لإعادة
توحيد البلاد)
منتوحتب الثاني موحد
الارضين وحاكم القطرين
يكتب محمود فرحات-عضو
جمعية الآثار
نكمل معا ما بدأناها في البوست السابق وقد تحدثنا عن الجدل حول كيف تمت الوحدة المصرية وعلى يد من ينسب الفضل في هذه الوحدة التي جعلت من مصر أقدم دوله قومية موحده في التاريخ..واتفقنا على أن المعلومات المتاحة لدينا تثبت حتى الآن أن (نعرمر) هو موحد مصر كما ذكر ذلك على لوحته ومقمعته ويبقى التساؤل حول عدد آخر من الأسماء نترك لحضارتنا العظيمة كشف النقاب عنها في ضوء المكتشفات الحديثة، اليوم سنتناول الحديث عن سقوط الدولة القديمة وانحلال البلاد وشيوع الفوضى خلال الاسرتين التاسعة والعاشرة وتوحيدها مرة أخرى على يد (منتوحتب الثاني) موحد الارضين وحاكم القطرين.فبعد أن استتب أمر البلاد في عهد الملك (حورعحا) وتمكن من جعل ارض مصر موحده آمنه من أخطار الغرب والجنوب أدى ذلك إلى أن ظلت مصر من عام 2780ق.م وحتى عام 2280ق.م في استقرار وقوه وازدهار وهو ما يعرف بإسم الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرام حيث كتبت في مصر أولى صفحات الحضارة الإنسانية التي قامت على العدل والنظام والمساواة، وان كان الأمر لا يخلوا من صراعات أسرية على ولاية العرش الملكي ومؤامرات للوصول لكرسي العرش لكن حال البلاد بشكل عام كان مستقر وحكومته المركزية الموحدة قوية.
في أواخر عهد الملك (بيبي الثاني) حوالي عام 2280ق.م دب الوهن والضعف في أوصال المملكة مما عجل بانهيارها حيث تقدم به السن وأصبح لا يقوى على حكم البلاد كما قويت شوكة حكام الأقاليم وزادت رغبتهم في الوصول إلى كرسي الحكم وزادت كذلك المظالم والفقر وأصبح الناس في كرب عظيم وذلك بالإضافة لعودة هجمات بدو الصحراء من الشرق والغرب فقامت في البلاد ثورة اجتماعيه ضخمة هى الأولى في التاريخ حوالي عام 2280ق.م حتى أن بعضهم يطلق عليها (الثورة البلشفية الأولى) خرجت الجموع تنادي بعودة العدل والنظام والمساواة أو كما يصف ذلك خطيب الثورة(إيبوور) قالاً:
"فقد انهارات السلطة المركزية وأصبحت الحدود مفتوحة وما لبثت أن توافدت جماعات كبيرة من بدو الصحراء على الحدود الشرقية واخذوا ينهبون الناس ويذيعون الذعر في النفوس وأصبح رجال الأمن ينهبون ويقتلون أيضا وأصبح السوقه والدهماء هم أهل الحل والعقد فلا عجب أن قامت ثورة جارفة حطمت كل شئ ولم يسلم منها مدفن أو معبد أو ديوان حكومي وامتد غضب الشعب إلى بيوت الأثرياء فنهبوها وشردوهم"هكذا كان الوضع في مصر حاله من الفوضى والضعف والتحلل وبرزت في تلك الفترة عدد من البيوت القوية الحاكمة في صعيد مصر ودلتاها استأثرت كل منها بإقليم تحكمه، يقول بتري وكذلك شتوك: " كانت البلاد مفككة العرى وبخاصة الوجه البحري الذي كان تحت رحمة عصابات البدو التي أذاعت الذعر والخوف بين الأهالي أما في مصر الوسطى فكان الحال أفضل حيث استقل كل حاكم بإقليم وفرض عليه سلطانه" ويذكر مانتون انه في محاولة لإنقاذ الدولة المركزية من الانهيار قام عدد من كبار الموظفين وحكام الأقاليم المخلصين تشكيل هيئة من 70 شخص لتحكم البلاد ولكنها لم تلبث سوى 70 يوما وانهارت الدولة المركزية وقسمت البلاد واندلعت الحرب الأهلية بين الأقاليم بغية السيطرة على أراضي الأقاليم المجاورة.
وعبر هذا الضباب
الكثيف لا يمكننا الا أن نرى صورة غير واضحة المعالم ففي عام 2262ق.م ظهر (أختوي-مري إيب
رع) حاكم الاقليم العشرين من اقاليم الصعيد (إهناسيا) كحاكم قوي وقد اتخذ لنفسه ألقاب
(حبيب قلب الارضين) و(حبيب قلب رع) وقد تمكن من السيطرة على كل البلاد تقريباً وسانده
في ذلك عدد من أقاليم الصعيد القوية (نعرف منهم أسيوط و إدفو وأرمنت والفنتين)
وبذلك تأسست الاسرتين التاسعة والعاشرة (لاندري ماهى اسباب مانتيون في جعل كل اسره منما مستقله بذاتها بالرغم من انهما ينتميان لبيت واحد..؟؟ ولا نعلم مدى نجاحهما في إعادة النظام إلى
الدلتا..؟؟ ولكن نعرف أن وحدة مصر لم تكن كاملة نظرا لنشاط بدو الصحراء في الدلتا
وغارتهم المتكررة عليها) ويرى مانتيون أن (أحتوي) كان رجلا قاسيا متجبرا وقد عانى
أواخر أيامه من الجنون" ويعلق د.احمد فخري قائلاً: "قد يكون مانتيون محق
فيما قال ففي عصر ساده الفوضى والأطماع ويتقاسمه حكام الاقاليم لا نتوقع من ملك
جديد يريد ان يؤسس مملكة موحدة وله منافسون وحاقدون ألا يقضي على كل من يقف في
طريقة دون رحمة" وكذلك يعلق د.سيد توفيق على ذلك قائلاً: "لا نعرف حتى الآن
الأسباب التي دعت مانتيون أن يصف مؤسس الأسرة التاسعة بأنه كان مخبولا وقاسياً حيث
انها رواية قد تبتعد عن الحقيقة"وفي الوقت الذي كانت الأسرة
العاشرة تحاول توحيد البلاد وتقاوم حكام الأقاليم الطامعين في عرش مصر كانت أسرة
جديدة تتأسس في طيبة هى الاسرة الحادية عشر تحت زعامة (واح عنخ-إنيوتف الأول) والذي
تحالف مع حكام إقليمي قفط ودندره حيث انه منذ عام 2133ق.م بدأ حكام الصعيد ينفصلون
عن حكومة اهناسيا وقد اتخذ كل منهم لقب (ملك مصر العليا والسفلى) ولقد تعارضت
مصالح (واح عنخ-إنيوتف) مع نفوذ (عنخ تيفي) حاكم أقاليم (إلفنتين وادفو وأرمنت) وقد
كان حليفاً للملك (نفركارع)حاكم اهناسيا
وقد شعر(عنخ تيفي) بتزايد نفوذ (واح عنخ-انيوتف الأول) وكان ذلك الشرارة
الاولى للحرب الأهلية بين طيبة وحلفائها من جهة وبين حكام إهناسيا وحلفاؤها من جهة،
حيث انه بعد إقرار الأمن في الدلتا نسبيا انطلق بجنوده تجاه طيبة ليؤدب اميرها
وعلى مقربه من ابيدوس انتصر (نفركارع) بمساعدة حاكم أسيوط على حاكم طيبه وحلفاؤه.
ومرت
السنون وفي أواخر عهد الملك الاهناسي (مريكارع) ظهر موحد مصر وحاكم القطرين
(منتوحتب الثاني) خامس ملوك الاسرة الحادية عشر والذي استكمل كفاح آبائه (انتويف
الاول وانتويف الثاني وانتويف الثالث ومنتوحتب الاول) لتوحيد البلاد وتمكن من كسر
قوة ملك اهناسيا (نبكاورع) حينما هزم أقوى حلفاؤه أمير أسيوط (تف-إيب) وقضى عليه
واستولى على المدن واحده تلو الأخرى ثم حاصرت جيوشه مدينة اهناسيا ففتحها واتجه
شمالا حيث الدلتا فطرد البدو وامن الحدود وحفظ النظام بعد 180 عام من الصراعات والفوضى
واستحق لقب موحد الارضين وحاكم القطرين وذلك في عام 2060ق.م.
كانت انتصارات (منتوحتب
الثاني) وتوحيده مصر كلها تحت سلطانه بداية عصر جديد حيث اخذت مصر تنهض من كبوتها
شيئا فشيئا واخذ موحد الارضين (منتوحتب الثاني) يرسل الحملات للمناجم، كما اخذ
يرسل الحملات لتأمين الحدود من آن لآخر..حكم (منتوحتب الثاني) البلاد لمدة 42 عام
حيث احتفل بالعيد الثلاثيني لجلوسه على العرش (حِب سِد) وبهذه المناسبة أعلن ابنه
(منتوحتب الثالث) شريكا في الملك، وقد شيد مقبرته بالدير البحري.