٧‏/٦‏/٢٠١٤

بردية اليأس من الحياة




البردية تدور حول حوار بين رجل يائس من حياته وروحه.. فقد كان الواقع الاجتماعي الذي كان يعيش فيه ذلك الرجل ظالما حيث ساءت أحوال الناس والبلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وانتشر الشر والفساد في كل مكان ولم تعد لقيم الخير مكان عند الناس فقد قل الأمن والأمان والوفاء لدرجة انه لم يعد للإنسان من صديق أو أخ أو جار يتحدث إليه فالإخوة والأصدقاء اصبحوا اعداء لبعضهم.. وغدت الثروة والنفوذ بيد الفاسدين الاشرار.. لذلك فقد أراد ذلك الرجل أن يتخلص من حياته بحرق نفسه ولكن روحه عارضته وهددته بأنها ستهجره في العالم الاخر.. ولكنه ايضا ومن خلال حوارة مع روحه كان حريصًا علي إرضائها وبقائها معه فكانت تلك القصه التي تصف لنا أقدم حوار بين الانسان وذاته..
ولقد نظم الكاتب المصري القديم قصته في أربع قصائد نثرية رائعة.. تناول في كل واحدة منها جزء من القصة بأسلوب شيق

فنجد القصيدة الأولى تدور حول حالة اليأس التي تملكته ويصف نفسه اليائسه من الحياة بقولة ((إن اسمي ممقوت أكثر من رائحة التماسيح في يوم حار.. إن اسمي ممقوت أكثر من المرأة التي يتقولون عليها بالزنا.. إن اسمي ممقوت أكثر من الفتي الجبان الذي يسلم نفسه لخصمه.. إن اسمي ممقوت أكثر من مدينة تغلي بالتمرد عندما يغفل عنها حاكمها...)) ثم يقول لذاته التي تحاول ان تمنعه من الانتحار ((يا روحي أنت غير عاقلة لكي تخففي من بؤس الحياة انك تحاولين أن تبعديني عن الموت قبل أن اذهب إليه..))

وفي القصيدة الثانية يذكر رأيه في الناس وهو رأي مليء بالتشاؤم فتحدثنا البردية عن اختفاء الصديق المخلص والقريب الخّير فيقول محدثا روحه: "لمن أتحدث اليوم والقلوب أصبحت جشعة.. وكل واحد ينزع الخير من قريبه.. لمن أتحدث اليوم فالوداعة انتهت وقد أصبح كل إنسان غاضب بسبب انتشار الإعمال السيئة.. وقد اصبح كل انسان يستصغر الجريمته البشعة.. لمن أتحدث اليوم ولم يعد هناك عدالة علي الإطلاق.. وأصبحت البلاد عرضة لمثيري الشغب والقلق.. لمن أتحدث اليوم وأنا مثقل بالبؤس فليس هناك انسان قانع ولم يعد وجود للرفيق في الحياة.. لمن أتحدث اليوم وقد أصاب السوء البلاد ولم يعد هناك نهاية لهذا الشر علي الإطلاق."

وفي القصيدة الثالثة يتحدث عن الموت الذي فيه خلاصه من ماساته فيقول لروحة التي تحاول ان تمنعه عن ذلك بذكر محاسن الحياة: "أن الموت في ناظري اليوم كمثل الشفاء لرجل مريض.. مثل الخروج إلي الهواء الطلق بعد سجن طويل.. أن الموت أمام ناظري اليوم مثل عبير المر.. مثل الجلوس تحت ظل شراع في يوم عليل الهواء.. مثل رائحة زهور السوسن.. ومثل الجلوس علي شاطئ الانشراح.. أن الموت في ناظري اليوم مثل السماء عندما تصفو.. مثل حصول الإنسان علي شيء لم يكن يتوقعه.. أنه مثل اشتياق الرجل لرؤية بيته بعد أن قضي سنوات طويلة في الأسر"
ويختتم في القصيدة الرابعة مؤكداً إيمانه بالحياة بعد الموت وإيمانه بالثواب والعقاب وعدل الإله في ذلك العالم السفلي فنجده يقول: ((وها هو ذا الحق.. الحق من وصل للعالم الأخر سيكون معبودًا يحيا بة.. فيرد الشر علي من أتاه.. وها هو ذا الحق من وصل هناك..  سيكون عالمًا بالإسرار وكل بواطن الأمور))


وتعتبر بردية اليأس من الحياة من أجمل البرديات التي تركها لنا الانسان المصري القديم وهى بردية ترجع الى عصر الملك سنوسرت الثاني من الاسرة 12 بالدولة الوسطى والبردية محفوظة الآن في متحف برلين بألمانيا

مع تحياتي.. محمود فرحات - باحث في الحضارة المصرية القديمة
الجمعة  29 بشنس 6255 مصرية  6 يونيو 2014 ميلادية