٢٦‏/٢‏/٢٠١٤

رسائل تاريخية (2)

رسالة هولاكو خان إلى المظفر سيف الدين قطز ملك مصر

بدايات القرن 13 الميلادي الـ 7 الهجري اجتاحت جيوش المغول (التتار) بقيادة جنكيز خان شرق العالم وشماله وقضوا على كل الممالك القوية وقتلوا خالقا كثير ولم تنجوا منهم الخلافة العباسية ففي عام 1251 اجتاحت جيوشهم بغداد بقيادة هولاكو ثم جتاحوا بلاد الشام وبدلا من ان ينقضوا شمالا الى اوروبا وليقين هولاكو ان مصر هى الهدف الاهم فقرر التوجه جنوبا فكانت هذه الرسالة الى ملك مصر في ذاك الوقت المظفر سيف الدين قطز ملك مصر


كانت رسالة هولاكو خان تمتلئ بالتهديد والوعيد وكانت سمعة جيشه تسبق رسالته بما ارتكبة من مجازر مع البلاد التي غزاها...ويقال ان الرسالة لبلاغتها العربية ان كاتبها عربي انضم الى جيش هولاكو وهو نصير الدين الطوسي الذي كان على علاقة قويه بهولاكو

نص الرسالة: ((مِن هولاكو خان ملك ملوك الارض شرقاً وغرباً.. الخان الأعظم.. باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. الذي مَلكَنا أرضه.. وسلطنا على خلقه.. الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك".. صاحب مصر وأعمالها.. وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها.. وباديتها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها.. إنّـا جند الله في أرضه.. خلقنا من سخطه.. وسلطنا على من حل به غيظه.. فلكم بجميع الأمصار معتبر.. وعن عزمنا مزدجر.. فاتعظوا بغيركم.. وسلّموا إلينا أمركم.. قبل أن ينكشف الغطاء.. ويعود عليكم الخطأ.. فنحن ما نرحم من بكى.. ولا نرق لمن اشتكى.. فتحنا البلاد.. وطهرنا الأرض من الفساد.. فعليكم بالهرب.. وعلينا بالطلب.. فأي أرض تأويكم؟؟ وأي بلاد تحميكم؟؟ وأي ذلك ترى؟؟ ولنا الماء والثرى؟؟ فما لكم من سيوفنا خلاص.. ولا من أيدينا مناص..


فخيولنا سوابق.. وسيوفنا صواعق.. ورماحنا خوارق.. وسهامنا لواحق.. وقلوبنا كالجبال.. وعددنا كالرمال!! فالحصون لدينا لا تمنع.. والجيوش لقتالنا لا تنفع.. ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. لأنكم أكلتم الحرام.. وتعاظمتم عن رد السلام.. وخنتم الأيمان.. وفشا فيكم العقوق والعصيان.. فأبشروا بالمذلة والهوان.. (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).. وقد ثبت أن نحن الكفرة.. وأنتم الفجرة.. وقد سُلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة.. والأحكام المقدرة.. فكثيركم عندنا قليل.. وعزيزكم لدينا ذليل.. وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل.. فلا تطيلوا الخطاب.. وأسرعوا رد الجواب.. قبل أن تضطرم الحرب نارها.. وتوري شرارها.. فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً.. ولا كتاباً ولا حرزاً.. إذ أزتكم رماحنا أزاً.. وتدهون منا بأعظم داهية.. وتصبح بلادكم منكم خالية.. وعلى عروشها خاوية.. فقد أنصفناكم.. إذ أرسلنا إليكم.. ومننا برسلنا عليكم))

وبعد قراءة قطز للرسالة جمع قادة جيشه ومستشاريه وأطلعهم عليها وكان منهم من رأى الاستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب معهم.. فما كان من السلطان قطز إلا أن قال:" أنا أَلقى التتار بنفسي.. يا أمراء المسلمين.. لكم زمان تأكلون من بيت المال.. وأنتم للغزاة كارهون.. وأنا متوجه.. فمن اختار الجهاد فليصحبني.. ومن لم يختر ذلك فليرجع إلى بيته.. وإن الله مطلع عليه.. وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين عن القتال".. فتحمس القواد والأمراء لرؤيته قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه.. بدلاً من أن يرسل جيشاً ويبقى هو في قصره.

ثم وقف قطز يخاطب الأمراء وهو يبكي ويقول لهم: "يا أمراء المسلمين.. من للإسلام إن لم نكن نحن" فقام الأمراء يعلنون موافقتهم على الجهاد.. وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن .. وقام قطز بقطع أعناق 24 من الرسل الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية.. وعلّق رءوسهم في الريدانية في القاهرة وابقي علي الـ25 ليحمل الأجساد لهولاكو.. وأُرسل الرسل في الديار المصرية تنادى الناس بالجهاد في سبيل الله ووجوبه وفضائله وكان الشيخ العز بن عبد السلام ينادى في الناس بنفسه فهب المصريون ليكونوا قلب وميسرة جيش الاسلام


وخرج جيش مصر بقيادة المظفر سيف الدين قطز يوم الاثنين الموافق 25 شعبان 658هــ/1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان والمتطوعين المصريين والمغاربه وغيرهم وتحركوا من قلعة الجبل في القاهرة.والتقى الفريقان في المكان المعروف بأسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658هـ الموافق 3 سبتمبر 1260م وكان النصر حليف جيش مصر وكسرت اسطورة جيش التتار الذي لا يهزم.

و إلى بوست آخر ورسائل تاريخية جديده ،،
 محمود فرحات - باحث في الحضارة المصرية وعضو جمعية الاثار

١٥‏/٢‏/٢٠١٤

الحسم المسـتبد .. والعدل المسـتبد


تحكى احد قصص التراث الشعبي انه خلال العصر العثماني كان هناك فلاح فقير لم يكن يملك إلا قطعة ارض صغيرة يزرعها وبقره تساعده في اعمال الحقل وتعطيه اللبن له ولآسرته وذات يوم اتاه الملتزم ليحصل منه الضرائب ولكن الفلاح الفقير توسل اليه ان يمهله لأنه ليس لديه مال فرفض الملتزم وأمر الجزار ان يحضر في الحال .. فأتى الجزار وأمر الملتزم الجند بإحضار البقرة وأمر الجزار بذبحها وتقطيعها الى 60 قطعه وأمر بأحضار 60 فلاح أخر من القرية وأجبرهم على شراء قطعة من اللحم بمبلغ 20 ريال فجمع 120 ريال هى الضريبة الموقعة على الفلاح ورحل

فقرر الفلاح ان يذهب الى القاضي ليشكو اليه من ظلم الملتزم وطغيانه وانه رجل غليظ القلب فظ ومستبد ظلمة وظلم القرية كلها أيضا فحكم القاضي لصالحة بأن ترد اليه بقرته او يرد اليه ثمنها.. وكلف الدفتردار بالتحقق من الامر

ولما تأكد الدفتردار أمر بمعاقبة الملتزم وأحضاره الى القرية لتنفيذ الحكم عليه فأمر بتجريده من ثيابه وأمر الجنود بأحضار الجزار وأمر الجزار بذبح الملتزم أمام اهل القرية كلها وتقطيعه الى 60 قطعة واحضر 60 فلاح آخر وأمرهم بشراء قطعه من جسد الملتزم بمبلغ 20 ريال فجمع 120 ريال أعطاهم للفلاح ثمن البقرة.

مع تحياتي ،،
محمود فرحات - باحث في الحضارة المصرية وعضو جمعية الاثار

١٣‏/٢‏/٢٠١٤

رسائل تاريخية (1)

(1) مراسلات ما قبل معركة المنصورة

قبيل معركة المنصورة والتي استمرت من يوم 8 إلى يوم 11 فبرايرعام 1250م بين الجيش الصليبي بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع وجيش مصر بقيادة الملك الصالح نجم الدين ايوب ثم توران شاه بن الملك الصالح بعد وفاته اثناء المعركة والتي انتهت بهزيمة منكرة لملك فرنسا وكسر انفه وغروره واسره وسجنه بدار ابن لقمان بالمنصورة..

وكانت المعركة في البدايه تميل لصالح الملك لويس حيث انسحبت حامية مدينة دمياط بعد تسرب خبر وفاة الملك الصالح وتركوا المدينة ليدخلها ملك فرنسا بلا مقاومة تقريباً.. فقامت الملكة شجر الدر زوجة الملك الصالح والوزير فخر الدين يوسف وزير الملك الصالح بأدارة الامور بحكمه حيث نفيا خبر وفاة الملك واشاعا انه فقط مريض بالحمى واستدعيا ابن الملك الصالح الامير توران شاه ليحل محل والده في قيادة المعركة وبفضل الخطة التي وضعها والكمين الذي نفذه كلا من الامير بيبرس والامير قظز مماليك الملك الصالح للملك لويس وجيشه هزمت جيوش الصليبين وفشلت الحملة الصليبية السابعة واُسر لويس التاسع

ولكن كانت هناك مراسلات بين تجرى بين الطرفين فيما قبل المعركة بهدف كسر الروح المعنوية للاخر وسأعرض لكم هنا رساله الملك لويس التاسع وكيف رد عليه الملك الصالح نجم الدين ايوب 


اولا.. رسالة لويس التاسع ملك فرنسا الى الصالح نجم الدين ايوب ملك مصر 

"أما بعد فإنه لم يخف عنك أني أمين الأمة العيسوية، كما أني أقول أنك أمين الأمة المحمدية. وإنه غير خاف عنك أن أهل جزائر الأندلس يحملون إلينا الأموال و الهدايا. ونحن نسوقهم سوق البقر ونقتل منهم الرجل ونرمل النساء، ونستأسر البنات والصبيان، ونخلي منهم الديار، وقد أبديت لك ما فيه الكفاية، وبذلت لك النصح إلى النهاية، فلو حلفت لي بكل الأيمان ودخلت على القسوس والرهبان، وحملت قدامي الشموع طاعة للصلبان، ما ردني ذلك عن الوصول إليك، وقتلك في أعز البقاع عليك، فإن كانت البلاد لي، فيا هدية حصلت في يدي، وإن كانت البلاد لك و الغلبة علي، فيدك العليا ممتدة إلي. وقد عرفتك وحذرتك من عساكر قد حضرت في طاعتي، تملأ السهل والجبل، وعددهم كعدد الحصى، وهم مرسلون إليك بأسياف القضا."


رد الصالح نجم الدين ايوب ملك مصر على رسالة لويس التاسع ملك فرنسا 

"أما بعد فإنه وصل كتابك ، وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك .. فنحن أرباب السيوف ، وما قتل منا قرن إلا جددناه ، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه ... فلو رأت عيناك - أيها المغرور - حد سيوفنا وعظم حروبنا ، وفتحنا منكم الحصون والسواحل ، وإخرابنا منكم ديار الأواخر والأوائل ، لكان لك أن على أناملك بالندم ، ولابد ان تزل بك القدم ، في يوم أوله لنا وآخره عليك .. فهناك تسيء بك الظنون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .. فإذا قرأت كتابي هذا ، فكن فيه على أول سورة النحل : ( أتى أمر ا لله فلا تستعجلوه ) ، وكن على آخر سورة ص : ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) .. ونعود إلى قول الله تبارك وتعالى ، وهو أصدق القائلين : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) .. وإلى قول الحكماء : " إن الباغي له مصرع " وبغيك يصرعك ، وإلى البلاء يقلبك ، والسلام"


والى بوست اخر مع رسائل تاريخية جديدة
محمود فرحات- باحث في الحضارة المصرية وعضو جمعية الاثار

١٠‏/٢‏/٢٠١٤

حــكاية وأثــر (1)

1- مدرسة ومسجد الامير بدر الدين حسن بن نصر الدين


بناها الأمير بدر الدين حسن بن نصر الله بن حسن بن أحمد بن عبد الكريم بن عبد السلام الإدكوي الأصل الفوي المولد، كان مولده ببلده فـوة بمحافظة كفرالشيخ في ليلة الثلاثاء 3 ربيع الأول سنة 766هـ، ثم ذهب للتعليم الأولي في القاهرة

تقلد عدد من المناصب في عهد المماليك الجراكسة ووصل إلي أعلي المناصب، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 846هـ، وعنه يقول ابن إياس، "توفي بدر الدين حسن بن نصر الله وكان من الأعيان الرؤساء بالديار المصرية"... ويصف الشخاوي حسن نصر الله بقوله.. "كان شيخا طويلا حسن الشكل مدور اللحية، دُفن بتربته في الصحراء خارج الباب الجديد عند ولده صلاح الدين".


أما عن سبب الإنشاء فقد تعرّض حسن نصر الله لوشاية الحساد فقد وشي به حساده لدي السلطان الأشرف سيف الدين برسباي (1422م-1438م) فعزله من وظيفته الخاصكية (وهى الحرس الشخصي للسلطان وخاصته) وصودرت أملاكه وسُجن .. وفي هذه المحنة نذر الأمير بدر الدين حسن بن نصرالله أن يبني لله مدرسه و جامع في بلده ومسقط رأسه فـوة إذا نجا من هذه المحنة وعادت إليه أملاكه، وقد استجاب الله لرجائه وأعيد إلي منصب الاستادارية (والاستدار هو المشرف على بيوت السلطان من مطابخ وحاشية وجاشنكرية ونفقات وكسوة) في عهد السلطان الظاهر سيف الدين جقمق سنه (1438م-1453م) .. فوفي بنذره وأقام الجامع والمدرسه بمدينه فـوة

شغل الامير بدر الدين حسن بن نصرالله عدد من المناصب منها  الوزارة في عهد كلا من السلطان الناصر فرج بن برقوق (1405م-1412م) والسلطان المؤيد ابوالنصر شيخ المحمودي (1412م-1421م) وتولى الاستاداريه في عهد السلطان الصالح ناصر الدين بن محمد ططر (1421م-1422م) ، وكذلك تولى اعمال الحسبة ونظارة الجيش..

جددت المدرسة والمسجد في العصر العثماني على يد سليمان ارجبي وهو من كبار أعيان فوه في العصر العثماني خلال الفترة من عام 1703م وانتهي منها عام 1707م

الى اللقاء في حكايه وأثر آخر ،، 
محمود فرحات - باحث في الحضارة المصرية وعضو جمعية الآثار

٨‏/٢‏/٢٠١٤

هلموا نمحوا ذاكرة ذلك الوطن...!!!


تمر الشهور والسنين وفي ظل ذلك المشهد الذي تسودة الفوضى والارتباك واختلاط الاوراق وعدم تحديد الاولويات وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب والحاسم وسيطرة بيروقراطية عقيمة على كل اجهزة الدولة.. وفي وقت اصبح التاريخ لا قيمه له ولا ثمن واصبح الجمال مجرد رفاهية.. في وقت اصبح المال هو الهدف وساد الجشع كل شئ..

في ظل ذلك تعاود للظهور من جديد وبقوه معاول مافيا التراث وأعداء الجمال للهدم.. من احفاد فضه المعداوي (بطله مسلسل الرايه البيضا) تلك الشخصية الدراميه والتي اصبحت واقع الان..

ففي الثمانينات من القرن الماضي كان الميلاد ونمّت في ظل فساد التسعينات وأصبحت هى وامثالها الآن اكثر توحش بحيث لا يستطيع احد ايقافهم عن مهمتهم في تدمير ذاكرة المكان وتشويهه بتلك الكتل الخرسانية الصماء التي لا جمال فيها ولا قيمه ولا حياة..

فلكل عصر فضه واحده او اكثر وهم في كل عصر مثال حي للجشع والجهل بقيمة الاشياء وتقييم كل شئ بالمال وفقط وعدوهم الاساسي هو الجمال والتاريخ وشواهده الماثله في المباني التراثية التي هي ذاكرة المكان.. فالحرب الدائرة منذ ذلك الزمن وحتى الآن هى حرب بين زحف الفوضى وازاحة الاصالة وهدم الجمال ليحل محله القُبح..


ويستمر المسلسل وسيستمر طالما ظلت حكوماتنا تعيش في قيود بيروقراطيتها الرجعية المتخلفة ولا تهتم بتراث مصر بل وتبارك عمليات الهدم المنظم المرخص والقانوني وتقوم بحراسه المخربين في اثناء هدمهم لتاريخ المكان ومحو ذاكرته..

ايها المسئولين انها ليست مجرد احجار مشيده او مباني قديمة وانما هى أجزاء من جسد هذا الوطن وذاكرته التاريخية والحضارية والثقافيه.. انها حق الاجيال القادمة في التمتع بتراث من سبقوهم.. فحافظوا عليها او فهلموا نمحو ذاكرة هذا الوطن...!!!