١٥‏/٩‏/٢٠١٢

هويتنا المصرية ج2

هويتنا المصرية ج2
د.عماد جاد
منشور بجريدة التحرير بتاريخ 13/09/2012



للهوية المصرية خصوصية، جعلت مصر وشعبها متميزين فى جوانب مختلفة عن غيره من شعوب المنطقة، طبعت الهوية المصرية بصماتها على الشخصية المصرية التى أخذت مكوناتها الأساسية من تاريخ مصر العريق. مصر دولة عرفت الحضارة منذ فجر التاريخ، وعلى أرضها تشكلت حضارة عريقة تمكنت من استيعاب كل وافد جاء، وهضمت ما وفد إليها من ثقافات وحضارات، نجحت مصر عبر التاريخ فى استيعاب كل من وفد إليها. على أرض مصر ظهر التوحيد قبل ظهور الديانات الإبراهيمية، كانت ملاذا آمنا، فعلى أرضها نشأ وترعرع نبى الله موسى، ووسط أهلها عاش السيد المسيح ثلاث سنوات ونصف السنة هربا من بطش هيرودس الملك، وجد على أرضها الأمن والأمان، تحولت مصر إلى المسيحية فلم تقبل أن تكون رقما سهلا أو بلدا ضمن بلدان تحولت إلى المسيحية، فمن مصر خرجت الرهبنة إلى العالم كله، وتمسكت كنيسة الإسكندرية بما رأته «إيمانا حسب الكتاب» وتبنت المذهب الأرثوذكسى الذى يعنى السليم القويم أو الحرفى أو النصى، فى مواجهة مذاهب أخرى اعتبرها أهل مصر متساهلة. وعندما دخل الإسلام مصر، وتحول غالبية المصريين إلى الإسلام، أيضا لم تقبل مصر أن تكون رقما سهلا فى المعادلة، مصر باتت قِبلَة لكل من لم يشعر بالأمان بين أهله وعشيرته، أنشأت الأزهر الذى بات قِبلة الإسلام السُّنى الوسطى فى العالم، ومرجعية الإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر، مقدَّرة فى العالم الإسلامى والسُّنى تحديدا. فى جميع الأحوال لم تقبل مصر أن تكون رقما سهلا فى أى معادلة، كانت باستمرار رقما صعبا فى المعادلة، رغم أنها لم تكن نقطة البداية أو الانطلاق فى الحالتين المسيحية والإسلامية.
تركت الهوية المصرية بصماتها الواضحة على طبيعة الشحصية المصرية، فأصبح المواطن المصرى متدينا، مسيحيا أو مسلما، يقدر فى غالبيته الساحقة الأديان، يحترم المقدسات، يضفى بصماته الخاصة على المناسبات الدينية فتصبح هذه المناسبات، مسيحية وإسلامية، ذات نكهة خاصة فى مصر، فعلى أرض مصر يجرى الاحتفال سنويا بمناسبات مسيحية لا تجد مثيلا لها فى أى مكان آخر، ومنها على سبيل المثال الاحتفال والاحتفاء بالسيدة العذراء مريم، وهى احتفالات سنوية يشارك فيها المصريون، مسيحيين ومسلمين، كما أن لشهر رمضان نكهة خاصة فى مصر لا توجد فى بلد إسلامى آخر. الشعب المصرى متدين بطبيعته، لا يقبل فى غالبيته الساحقة إساءة إلى دين أو مساسا بمقدس. هذه الطبيعة للهوية المصرية هى التى حفظت مصر بلدا آمنا مستقرا بصفة عامة، صامدا فى وجه أنواء وعواصف أسقطت تجارب شعوب أخرى. وفى الوقت الذى كانت فيه الطبيعة المصرية تضفى بصماتها الواضحة على كل من يفد إليها من الخارج ليقيم بين أهلها، فإن المصرى يحمل معه فى «غربته» هذه الطبيعة التى تتسم باحترام وتقدير الأديان بصفة عامة. طبعا ولأن لكل قاعدة استثناء، فإن هناك فئات محدودة تشذّ عن الطبيعة المصرية، ومن ثم نجد تشددا، وتطرفا يصل أحيانا إلى الشذوذ الفكرى والخروج الكامل على الطبيعة المصرية، وهو ما شهدناه فى قصة الفيلم الأمريكى المسىء إلى الإسلام ونبيه، الذى شارك فى صناعته عدد ممن يُطلَق عليهم أقباط المهجر، وإذا أمعنّا النظر فى هذا العدد سوف نجده عبارة عن مجموعة صغيرة منحرفة فكريا تخرج تماما عن الطبيعة المصرية التى تحترم الأديان وتجلّ المقدسات، فأقباط المهجر مصطلح يشير إلى ما يتجاوز مليونَى مواطن مصرى تسرى فى عروق غالبيتهم الساحقة دماء مصرية وطنية، وهناك قلة منحرفة فكريا تحمل عداء شديدا لكل ما هو مصرى، ومن ثم لا بد من التعامل معها على هذا الأساس، فمصطلح أقباط المهجر يشير إلى مصريين يعيشون خارج مصر، منهم علماء ورجال أعمال وخبراء فى شتى المجالات، يقدرون بلدهم، وفى نفس الوقت يحملون بداخلهم مشاعر وطنية، نشؤوا وفق المفهوم السابق الإشارة إليه للهوية المصرية. الهوية المصرية هى التى دفعت مصريين مسلمين إلى مشاركة مصريين مسيحيين الحزن على ضحايا جريمة كنيسة القديسيْن، ومن ثم ذهبوا إلى الكنائس بالشموع كنوع من المشاركة الرمزية للمسيحيين فى صلاة عيد الميلاد الأول بعد جريمة كنيسة القديسيْن، والهوية المصرية هى التى دفعت مصريين مسيحيين إلى مشاركة مصريين مسلمين فى التظاهر أمام السفارة الأمريكية، احتجاجا على الفيلم الأمريكى المسىء إلى الإسلام ونبيه. نعم قد نختلف كمصريين سياسيا وفكريا، قد نتجادل وىساجل بعضنا بعضا حول قضايا شتى ومن بينها المواطنة والمساواة وطبيعة الدولة والنظام السياسى المأمول، لكن المؤكد أننا كمصريين لا نقبل بأى مساس بالأديان والمقدسات، ننتقد رئيسنا ونظامنا السياسى وكل ما يجرى على أرضنا، ولكن نرفض أى تدخل خارجى فى شؤوننا الداخلية.
رابط المقال: